فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كما في قوله: {افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} [الأعراف: 89] فكأنه قال: إنا قضينا لك قضاءً مبينًا، أي: ظاهرًا واضحًا مكشوفًا.
{لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} اللام متعلقة ب {فتحنا}، وهي لام العلة.
قال ابن الأنباري: سألت أبا العباس يعني: المبرد، عن اللام في قوله: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله} فقال: هي لام كي معناها: إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا؛ لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح، فلما انضمّ إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي، وغلط من قال ليس الفتح سبب المغفرة.
وقال صاحب الكشاف: إن اللام لم تكن علة للمغفرة؛ ولكن لاجتماع ما عدّد من الأمور الأربعة وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز.
كأنه قيل: يسرنا لك فتح مكة، ونصرناك على عدوّك؛ لنجمع لك بين عزّ الدارين، وأعراض العاجل والآجل.
وهذا كلام غير جيد، فإن اللام داخلة على المغفرة فهي علة للفتح، فكيف يصح أن تكون معللة.
وقال الرازي في توجيه التعليل: إن المراد بقوله: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله} التعريف بالمغفرة، تقديره: إنا فتحنا لك؛ لتعرف أنك مغفور لك معصوم.
وقال ابن عطية: المراد أن الله فتح لك؛ لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك، فكأنها لام الصيرورة.
وقال أبو حاتم: هي لام القسم وهو خطأ، فإن لام القسم لا تكسر، ولا ينصب بها.
واختلف في معنى قوله: {مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فقيل: ما تقدّم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها.
قاله مجاهد، وسفيان الثوري، وابن جرير، والواحدي، وغيرهم.
وقال عطاء: ما تقدّم من ذنبك، يعني: ذنب أبويك آدم وحوّاء، وما تأخر من ذنوب أمتك.
وما أبعد هذا عن معنى القرآن.
وقيل: ما تقدّم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده، وهذا كالذي قبله.
وقيل: ما تقدّم من ذنب يوم بدر، وما تأخر من ذنب يوم حنين، وهذا كالقولين الأولين في البعد.
وقيل: لو كان ذنب قديم، أو حديث؛ لغفرناه لك، وقيل غير ذلك مما لا وجه له، والأوّل أولى.
ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة: ترك ما هو الأولى، وسمي ذنبًا في حقه لجلالة قدره، وإن لم يكن ذنبًا في حق غيره.
{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بإظهار دينك على الدين كله، وقيل: بالجنة، وقيل: بالنبوّة والحكمة، وقيل: بفتح مكة، والطائف، وخيبر، والأولى أن يكون المعنى: ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة، والهداية إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام.
ومعنى {يهديك}: يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه {وَيَنصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا} أي: غالبًا منيعًا لا يتبعه ذلّ: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة في قُلُوبِ المؤمنين} أي: السكون والطمأنينة بما يسره لهم من الفتح؛ لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم {لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم} أي: ليزدادوا بسبب تلك السكينة إيمانًا منضمًا إلى إيمانهم الحاصل لهم من قبل.
قال الكلبي: كلما نزلت آية من السماء، فصدّقوا بها ازدادوا تصديقًا إلى تصديقهم، وقال الربيع بن أنس: خشية مع خشيتهم.
وقال الضحاك: يقينًا مع يقينهم {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} يعني: الملائكة، والإنس، والجن، والشياطين يدبر أمرهم كيف يشاء، ويسلط بعضهم على بعض، ويحوط بعضهم ببعض {وَكَانَ الله عَلِيمًا} كثير العلم بليغه {حَكِيمًا} في أفعاله وأقواله {لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} هذه اللام متعلقة بمحذوف يدلّ عليه ما قبله تقديره: يبتلي بتلك الجنود من يشاء، فيقبل الخير من أهله، والشرّ ممن قضى له به؛ ليدخل ويعذب.
وقيل: متعلقة بقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا} كأنه قال: إنا فتحنا لك ما فتحنا؛ ليدخل ويعذب، وقيل: متعلقة ب {ينصرك} أي: نصرك الله بالمؤمنين؛ ليدخل ويعذب، وقيل: متعلقة ب {يزدادوا} أي: يزدادوا، ليدخل ويعذب، والأوّل أولى {وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} أي: يسترها، ولا يظهرها ولا يعذبهم بها، وقدّم الإدخال على التكفير مع أن الأمر بالعكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى، والمقصد الأسنى {وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزًا عَظِيمًا} أي: وكان ذلك الوعد بإدخالهم الجنة، وتكفير سيئاتهم عند الله، وفي حكمه فوزًا عظيمًا، أي: ظفرًا بكل مطلوب، ونجاة من كل غمّ، وجلبًا لكل نفع ودفعًا لكل ضرّ، وقوله: {عَندَ الله} متعلق بمحذوف على أنه حال من {فوزًا}؛ لأنه صفة في الأصل، فلما قدم صار حالًا، أي: كائنًا عند الله، والجملة معترضة بين جزاء المؤمنين، وجزاء المنافقين والمشركين ثم لما فرغ مما وعد به صالحي عباده ذكر ما يستحقه غيرهم، فقال: {وَيُعَذّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} وهو معطوف على يدخل، أي: يعذبهم في الدنيا بما يصل إليهم من الهموم والغموم بسبب ما يشاهدونه من ظهور كلمة الإسلام، وقهر المخالفين له، وبما يصابون به من القهر والقتل والأسر، وفي الآخرة بعذاب جهنم.
وفي تقديم المنافقين على المشركين دلالة على أنهم أشدّ منهم عذابًا، وأحقّ منهم بما وعدهم الله به، ثم وصف الفريقين، فقال: {الظانين بالله ظَنَّ السوء} وهو ظنهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يغلب، وأن كلمة الكفر تعلو كلمة الإسلام.
ومما ظنوه ما حكاه الله عنهم بقوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا}، {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} أي: ما يظنونه، ويتربصونه بالمؤمنين دائر عليهم حائق بهم، والمعنى: أن العذاب، والهلاك الذي يتوقعونه للمؤمنين واقعان عليهم نازلان بهم.
قال الخليل، وسيبويه: السوء هنا: الفساد.
قرأ الجمهور {السوء} بفتح السين.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بضمها {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}.
لما بيّن سبحانه أن دائرة السوء عليهم في الدنيا بيّن ما يستحقونه مع ذلك من الغضب واللعنة، وعذاب جهنم {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والارض} من الملائكة، والإنس، والجنّ، والشياطين {وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} كرّر هذه الآية؛ لقصد التأكيد، وقيل: المراد بالجنود هنا: جنود العذاب، كما يفيده التعبير بالعزة هنا، مكان العلم هنالك.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها حتى بلغنا كراع الغميم إذ الناس يوجفون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ فقالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}، فقال رجل: إي رسول الله، أو فتح هو؟ قال: «إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح»، فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلاّ من شهد الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمسمائة منهم ثلثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهمًا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه، وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
وأخرج البخاريّ وغيره عن أنس في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} قال: الحديبية.
وأخرج البخاريّ، وغيره عن البراء قال: تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحًا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} قال: «فتح مكة» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، وفي الباب أحاديث.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة في قُلُوبِ المؤمنين} قال: السكينة: هي الرحمة، وفي قوله: {لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم} قال: إن الله بعث نبيه بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فقال: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام دِينًا} [المائدة: 3].
فأوثق إيمان أهل السماء، وأهل الأرض، وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلاّ الله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود {لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم} قال: تصديقًا مع تصديقهم.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أنس قال: لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية.
قال: «لقد أنزلت علي آية هي أحبّ إليّ مما على الأرض»، ثم قرأها عليهم، فقالوا: هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه: {لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} حتى بلغ: {فَوْزًا عَظِيمًا}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)}.
أخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد عليَّ فقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يردّ عليك، فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل فيَّ القرآن، فما نشبت أن سمعت صارخًا يصرخ بي، فرجعت، وأنا أظن أنه نزل فيَّ شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد أنزلت عليَّ سورة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها» {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجمع ابن جارية الأنصاري قال: شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إلى كراع الغميم إذا الناس يوجفون الأباعر فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته على كراع الغميم فاجتمع الناس عليه، فقرأ عليهم: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} فقال رجل: يا رسول الله: أو فتح هو؟ قال: «والذي نفس محمد بيده إنه لفتح» فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمسمائة منهم ثلثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهمًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتد عليه فسرّي عنه وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه والبيهقي عن أنس رضي الله عنه في قوله: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال: الحديبية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه في قوله: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال: فتح خيبر.
وأخرج البخاري وابن جرير وابن مردويه عن البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحًا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض، ودعا ثم صبه فيها تركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
وأخرج البيهقي عن عروة رضي الله عنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية راجعًا، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصدَّ هدينا، وعكف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورد رجلين من المسلمين خرجا، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول رجال من أصحابه: إنّ هذا ليس بفتح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس الكلام، هذا أعظم الفتح، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألوكم القضية ويرغبون إليكم في الإِياب، وقد كرهوا منكم ما كرهوا، وقد أظفركم الله عليهم، وردكم سالمين غانمين مأجورين، فهذا أعظم الفتح. أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم، أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا؟» قال المسلمون: صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا. فأنزل الله سورة الفتح.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث في قوله: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال: نزلت في الحديبية، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصب في غزوة، أصاب أن بويع بيعة الرضوان فتح الحديبية، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، وفرح المؤمنون بتصديق كتاب الله وظهور أهل الكتاب على المجوس.
وأخرج البيهقي عن المسور ومروان في قصة الحديبية قالا: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا فلما كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح من أولها إلى آخرها، فلما أمن الناس وتفاوضوا لم يكلم أحدًا بالإِسلام إلا دخل فيه، فلقد دخل في تلك السنين في الإِسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك، فكان صلح الحديبية فتحًا عظيمًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال: إنا قضينا لك قضاء بينًا، نزلت عام الحديبية للنحر الذي بالحديبية وحلقة رأسه.
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال: قضينا لك قضاء بينًا.
وأخرج عبد بن حميد عن عامر الشعبي رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: أفتح هذا؟ قال: وأنزلت عليه {إنا فتحا لك فتحًا مبينًا} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم عظيم، قال: وكان فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية قال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10] الآية.